استخلاص الكربون من الطرقات

تبادرت فكرة استخلاص الكربون من وسائل النقل إلى ذهن المستشار الأعلى في علوم الأبحاث في أرامكو، د. عصام حمد، قبل ما يربو على عقدٍ ونيف من الزمان، قدّم عصام بعدها بفترة وجيزة مخططًا تقريبيًا لمفهوم استخلاص الكربون من وسائل النقل إلى مديره.

يقول عصام: "أعتقد أنه أُعجب بالفكرة". وقال: رائع! ولكن هل تستطيع تنفيذها في غضون عام واحد؟"

ومع أخذ هذا الهدف في الاعتبار، بدأ فريق عصام العمل في المختبر.

يشكّل اختراع تقنية في مجال محركات النقل الثقيل سواءً على الطرق البرية أو البحرية تحدياً كبيراً. بيد أن الفريق بدأ بأعمال البحث والتطوير لإثبات إمكانية تطبيق الفكرة، فتم إجراء التجارب على المركبات الخفيفة.

وبعد عام واحد فقط، في عام 2011م، جرى تركيب النموذج الأولي من النظام في شاحنة بيك أب من طراز فورد F-250 واستطاع الفريق أن يطبق لأول مرة عمليًا استخلاص ثاني أكسيد الكربون من مركبة. وبعد عامين من ذلك، تم تطوير وتركيب نظام استخلاص الكربون على سيارة تويوتا كامري واستطاع التصميم الهندسي الجديد من تحسين نسبة الاستخلاص وتحقيق استخلاص نسبته 25% من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بسيارة تويوتا كامري الأساسية.

كيف يعمل الجهاز؟

يتم تثبيت هذه التقنية المبتكرة مباشرة على سيارة بعد إجراء تعديل على تصميم نظام العادم لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون من المصدر: أي من الغازات الناتجة بعد الاحتراق.
تستمد هذه التقنية طاقتها من الحرارة التي ينتجها المحرك أثناء الاحتراق، وهي مصممة بحيث يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون الذي يستخلصه النظام في السيارة ويتم تفريغه أثناء التوقف لإعادة التزود بالوقود.

تتمثل الخطوة الأولى في تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل التي طورتها أرامكو في إدخال وسيط لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون، مثل محلول مكون من الماء ومركب النيتروجين الأساسي، في مجرى غاز العادم. وبمجرد ملامسة غاز العادم للوسيط، يلتصق ثاني أكسيد الكربون به بشكل طبيعي ويمتصه الوسيط.

تقوم هذه العملية بعزل وإزالة ثاني أكسيد الكربون عن غازات العادم المتبقية. ويمكن بعد ذلك التخلص من العادم الخالي من ثاني أكسيد الكربون، فيما يُنزع ثاني أكسيد الكربون من الوسيط ويتم ضغطه وتخزينه على متن السيارة إلى أن يتم تفريغه في محطة الوقود.

إذن، ما الذي يمكن عمله بثاني أكسيد الكربون المستخلص؟ يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون المستخلص في الاعمال الصناعية أو تخزينه تحت الأرض من خلال الاحتجاز. وتشتمل استخداماته الصناعية على استخلاص النفط بطريقة محسنة أو إنتاج مواد جديدة أو زراعة الطحالب أو تعزيز نمو النباتات في البيوت المحمية. وتسمح عملية الاحتجاز بتخزين كميات كبيرة تحت الأرض في الأماكن التي يصعب فيها استخدامه محليًا.

لتعميم استخدام تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل في قطاعي النقل البري والبحري، فإن العديد من جوانب التقنية وسلسلة القيمة تتطلب مزيدًا من التطوير.

ويتمثل التحدي الأول في تقليص حجم النظام إلى أدنى حد ممكن، بحيث يكون له أقل تأثير ممكن على حمولة المركبة أو السفينة. وقد عمل فريق البحث، من خلال التحسين المستمر للتقنية، على تقليل حجم هذه التقنية و لا يزال يعمل على تصغير حجم النظام أكثر من ذلك.

وهناك تحدٍ آخر يتمثل في خفض التكاليف لجعل المُنتج مجد اقتصاديًا للسوق والمُلاك والمشغلين. ومن بين التحديات المهمة التي تواجه تعميم استخدام تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل هي القدرة على تفريغ ثاني أكسيد الكربون من المركبة بأمان وبشكل مستدام بعد استخلاصه منها. ويتطلب هذا الأمر إنشاء سلسلة قيمة جديدة بالكامل. وبالنسبة للتطبيقات البحرية المحتملة بصفة خاصة، حدد الفريق 27 ميناء بالقرب من بنية تحتية مجهزة بمتطلبات استخدام واحتجاز الكربون.

تطبيقات جديدة، ابتكارات حديثة

تُظهِر الاختبارات الأولية التي أجريناها أن تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل توفر القدرة على استخلاص نصف ثاني أكسيد الكربون الناتج عن محركات الاشتعال الداخلي، بعد إجراء المزيد من البحث والتطوير.

ويعمل علماؤنا مع الأطراف المعنية في قطاع النقل على مستوى العالم على إيجاد حلول لدمج تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل في وسائل النقل البري والبحري. ومن المحتمل أن تكون هذه التقنية ذات جدوى اقتصادية على نطاق واسع في القطاعات البحرية والبرية، من دون الحاجة إلى إجراء تعديلات على الأنظمة الحالية.

وقد بدأ فريق استخلاص الكربون من وسائل النقل مؤخرًا مرحلة جديدة من التطوير، حيث طبّق هذه التقنية على شاحنة ثقيلة من الفئة الثامنة. و يهدف الفريق إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من هذه الشاحنة بنسبة 50% على الأقل وذلك من خلال الجمع بين تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل وتقنيات أخرى لتحسين الكفاءة.

 

عقول متعددة وفكرة واحدة

تحتاج كل تقنية جديدة إلى خطة واضحة لتعميم استخدامها وذلك بإحراز تقدم يعبر بها إلى ما بعد مراحل التجريب للدخول في عملية الإنتاج.

أما فيما يتعلق باستخلاص الكربون من وسائل النقل، فإن فريق خبراء أرامكو من محللي الأسواق والمهندسين الكيميائيين إلى علماء البيانات والخبراء اللوجستيين يتعاونون بهدف تحويل النجاح التجريبي إلى واقع عملي.

ووفقاً لما ذكره د. تامور، فإنه على الرغم من تواصل الابتكار العلمي وتحسين سلسلة القيمة الكاملة، فإنه من الممكن نشر استخدام هذه التقنية في عدة قطاعات نقل تجارية. وإذا تم تطبيقها بطريقة فعالة، فإنه من الممكن لعدد كبير من المركبات على الطريق والسفن في البحر أن تتحرك بانبعاثات كربونية أقل.

فقد استطاع عدد لا يحصى من الخبراء في غضون عقد ونيف من الزمان، تحويل تقنية استخلاص الكربون من وسائل النقل من فكرة يشوبها التردد إلى حل واقعي لخفض ثاني أكسيد الكربون في وسائل النقل. ومع بذل المزيد من الجهد، فإن هذه الطريقة الثورية الجديدة لإعادة التدوير قد تعم قريباً جميع طرق العالم.