البن.. حكاية من الإصرار
ككثير من مزارعي البن في جازان، يواجه أبو عواد تحديات في مزاولة عمله. لكنه استطاع أن يطوّر أساليبه الزراعية ويزيد إنتاج مزرعته بعد استفادته من مبادرة أرامكو لزراعة القهوة.
- بدأ أبو عواد مشواره في زراعة البن وهو في الخامسة من عمره، إذ اعتاد مساعدة والده وجدّه في جني المحصول
- واجه أبو عواد ومزارعون آخرون بعض التحديات في زراعة البن، بسبب نقص مياه الري نتيجة الجفاف
- من خلال دعم مبادرة أرامكو لزراعة القهوة، التي قدمت الخبرات وأفضل الممارسات الزراعية، زاد أبو عواد من إنتاج مزرعته ونجح في توسيع مبيعاته من البن
تتمتع محافظة الداير في منطقة جازان من المملكة بطبيعة ساحرة، حيث تشتهر بقممها ووديانها الجبلية الخضراء، كما أنها غنية بالمعالم التاريخية القديمة التي جعلت منها مقصدًا سياحيًا مهمًا في المنطقة. لكن ما يميّز هذه المحافظة عن غيرها هي مزارع البن المنتشرة في مرتفعاتها الجبلية.
وتُعد مزارع البن في محافظة الداير موطنًا للقهوة السعودية، التي تُنتج من بُن ذي نكهة مميزة، حيث تشتهر بزراعتها منطقة الجنوب الغربي من المملكة، وتشكّل مصدرَ دخل مهمًا لسكانها. ولطالما كانت زراعة البُن حرفة يتوارثها جيلٌ عن آخر على مر السنوات.
القهوة السعودية
تمثّل القهوة السعودية كنزًا ثقافيًا مميزًا برائحتها الطيبة وطعمها الفريد، وهي نوع فرعي من قهوة أرابيكا؛ أحد أشهر أنواع البن في العالم. وتتطلب زراعتها عملية طويلة وشاقة، فلا يمكن لمزارعي البن حصدها إلا بعد فترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات من زراعة بذورها. وكما هو الحال بالنسبة لقهوة أرابيكا، تعتمد القهوة السعودية أيضًا اعتمادًا كبيرًا على المياه، إذ تتطلب الري الدائم المنتظم في المراحل الأولية بعد زراعة البذور، وهو ما يمكن توفيره من خلال أنظمة الري الذكية. وفي الفترة الماضية، أثّرت قلة مياه الأمطار والري، وزيادة ملوحة التربة في المناطق الساحلية على محاصيل البن لبعض مزارعي الداير، ومنهم أبو عواد.
تعرّف على أبي عواد
بدأ أحمد جبران، المُكنى بأبي عواد، مشوار زراعة البن في تلك الأرض المعطاء وهو في حوالي الخامسة من عمره، حيث اعتاد مساعدة والده ومن قبله جدّه في جني المحصول.
يقول أبو عواد: "منذ طفولتي، كان جدي يخبرني بأنه عمل على زراعة البن مع والده وأجداده أيضًا، فهي مهنة متوارثة بين قبائل الداير من الأجيال السابقة".
ويضيف: " كان مزارعو القهوة فيما مضى يعملون بجدّ على الاعتناء بأشجارهم؛ فقد كانوا ينقلون قِرب الماء من الآبار إلى مزارعهم من خلال حملها على ظهورهم".
وقد نما شغفه بهذه الزراعة مع تقدمه في العمر. وسرعان ما أصبحت زراعة البن مصدر دخله، فبمجرد أن اشتد عوده، بدأ أبو عواد ببيع حصاد المزرعة لأقاربه وأهل قريته.
ولكن ما حققه أبو عواد من تقدم توقّف عندما أدّى الجفاف إلى خسارة جميع الأشجار باستثناء سبعة من أصل 2000 شجرة بن في مزرعته. فكاد في تلك اللحظة أن يفقد أمله في نمو أي شجرة في مزرعة البن التي ورثها عن والده مرة أخرى. لكن بعد ذلك، حثّه أصدقاؤه وزملاؤه المزارعون على الانضمام إلى مبادرة أرامكو، وهذا ما فعله.
أبو عواد
مبادرة أرامكو لزراعة القهوة
انطلقت مبادرة المواطنة من أرامكو لتدريب المزارعين وزراعة البن منذ عام 2016م من محافظة الداير، بالتعاون مع هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان، وجمعية البر الخيرية بمحافظة الداير، ثم توسعت بعد ذلك لتشمل ست مناطق أخرى هي: فيفاء، والريث، والعارضة، والعيدابي، وهروب، ومنطقة عسير المجاورة.
وقد ساعدت هذه المبادرة في إنشاء مختبر لتحسين الجودة، وقدمت إرشادات زراعية لمزارعي البن، وحسّنت أيضًا من عملية تجفيف حبوب البن وتقشيرها وفرزها وتغليفها على أسسٍ علمية. كما شملت الجهود العناية بعدد من مزارع البن، وتركيب أنظمة ري ذكية في مزارع المنطقة، إضافةً إلى الاستعانة بخبراء لرفع مستوى جودة البن ومراقبتها. وقد ساعد كل ذلك المزارعين المستفيدين من المبادرة على زيادة الطاقة الإنتاجية لمزارعهم إلى أكثر من 800 طن سنويًا من البُن بنهاية عام 2021م.
تعزيز قدرة الإنتاج
قدّمت المبادرة الدعم لـ 1050 مزارعًا منذ إطلاقها، كما ساعدت على غرس أكثر من 200 ألف شتلة بُن جديدة. ونتيجة لذلك، نجح المستفيدون في زيادة إنتاجهم من البن من 24 طنًا إلى 800 طن سنويًا، كما تمكّنوا من تسويق مبيعاتهم في عدد أكبر من الأسواق. وفي الوقت الراهن، تستطيع مشاتل المزارعين المستفيدين إنتاج أكثر من 900 ألف شتلة سنويًا، بعدما كانت تُنتج 300 ألف شتلة في السنة بحد أقصى؛ وهذا يمثل بداية تبشّر بفترة مقبلة أكثر ازدهارًا.
وفي إطار تعاونها المستمر مع الجهات المحلية، تهدف أرامكو أيضًا إلى إنشاء المركز الوطني لتطوير البن، الذي يسعى إلى تعزيز القدرة الإنتاجية من خلال دعم سلسلة تطوير القهوة بأكملها، وذلك عن طريق توزيع الشتلات، وتوفير أفضل التقنيات الزراعية لمزارعي البن، إلى جانب خلق هويّة تجارية للقهوة السعودية، والمساعدة في جلب منتجات المزارعين للسوق من خلال دعم كل خطوة في عملية الإنتاج.
جني الفوائد
ساعدت المبادرة على تغيير أحوال أبي عواد؛ فمن خلالها تعلّم الأساليب الحديثة لزراعة البن، حيث حضر دورات تدريبية في هذا المجال ساعدته على غرس أشجار بُن جديدة وتحسين جودة محاصيله.
يقول أبو عواد: "في الماضي، كنا نتبع طريقة غرس الأشجار في حفر خاصة بها كما تعلمنا، فكانت الشجرة تستغرق أكثر من عام لتثمر".
ويستدرك قائلًا: "لكن دورة التدريب علمتنا خطوات الزراعة بتجهيز الحفرة أولًا، ثم حرث التربة، وبعدها إضافة الأسمدة. فأصبح بإمكاننا رؤية النتائج خلال ثلاثة أشهر من الزراعة. كما زُرعت الشتلات في صف واحد، وهي طريقة توزيع حديثة".
ويضيف أبو عواد: "أحبَّ الناس في المنطقة تطبيق هذه الأساليب الجديدة، فقد جنّبت المزارعين مشقة زراعة الأشجار باتباع طرق عشوائية".
كما ساعدت شبكات الري الذكية، التي توفَّرت من خلال المبادرة، أبا عواد وغيره من المزارعين على زيادة إنتاج البن، وتحسين مبيعاتهم نتيجة لذلك.
يقول أبو عواد: "مع مرور الوقت، توسّع بيع محاصيلنا إلى مناطق جديدة. فأصبحت منتجاتنا تُباع اليوم في جميع أنحاء المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي".
نظام ري ذكي يُعيد الحياة إلى حقل البُن.
القهوة.. إرثٌ محبوب
ورث عواد وعلي وراشد، أبناء أبي عواد، عن أبيهم شغفه بهذه الحرفة، فهم يساعدونه اليوم في مزرعة البن الخاصة بالأُسرة. وقد نقل إليهم أبو عواد معرفته وشجعهم على العمل والتعلم إلى جانبه، تمامًا كما فعل معه والده، فقد كانوا منذ صغرهم يسقون أشجار البن ويقومون بتقليمها، ويستخدمون البن من محصول مزرعتهم لإعداد القهوة.
يعتني أبو عواد وأبناؤه معًا بالمزرعة، ومن خلال تفانيهم، وبمساعدة أرامكو وما تقدمه من دعم وتدريب، زاد إنتاج البن في مزرعتهم وازدهر حال أُسرتهم. وقد شجع ذلك بدوره المزارعين الآخرين على السير على خطاهم، وأن يصبحوا جزءًا من المبادرة أيضًا.
يقول أبو عواد: "أصبحت زراعة البن تجذب اهتمام سكان الداير، بمن فيهم ابن عمي، فقد زرع نحو 900 شجرة بنّ على أرضه، وهي الآن مثمرة. وقد حذا حذوه الكثير من أبناء القرية".
اليوم، يواصل المزارعون في جازان زراعة البن وحصده مثل أجيال سبقتهم. ومع الدعم المتوفر لهم في الوقت الحاضر، فالمستقبل الذي ينتظرهم هو مستقبل يشهد المزيد من النمو والازدهار.
ومن بين الفرص الواعدة في هذا المجال شراكتنا مع شركة القهوة السعودية، التي تهدف إلى البناء على ما حققته مبادرتنا للقهوة من نجاح، والمساعدة في تعزيز القدرات التنافسية لقطاع صناعة القهوة في المملكة. كما نسعى من خلال هذه الشراكة إلى مواصلة دعم المزارعين بواسطة تقديم الدعم الفني وفرص التدريب ومشاركة الخبرات، لمساعدة المزيد منهم على تحقيق الاستقلالية المادية.